مدائن صالح بقلم الأستاذ منيف خضير

كل الدلائل تشير إلى صيف هادئ في المملكة الأردنية التي احتضنت السياح الذين توافدوا إليها بكثرة صيف 2008م. عقارب الساعة تشير الآن إلى الثالثة عصراً، الطريق إلى البتراء هادئة، التلال الخضراء تارة والصحراوية تارة أخرى تشارك المسافرين متعة الطريق، لا شيء يكدر السائح سوى نقاط التفتيش التي تقيد السرعة عند 80 كم وتتصيد السياح الخليجيين الذين يسلكون الطريق إلى السعودية وتحديداً عند منفذ حالة عمار المؤدي إلى تبوك شمال المملكة، وتتفاجأ بغرامة السرعة والتي تصل إلى 250 ريالاً سعودياً دون بوادر لتخفيض الغرامة رغم أن ذلك من صلاحيات رجل الأمن!

من العجائب السبع

والطريق طويلة إلى البتراء من عمان حيث تقع البتراء على بعد 262 كم إلى الجنوب من عمّان، وهي واحدة من أهم مواقع الجذب السياحي في الأردن، والبتراء (كما ورد في موسوعة ويكيبيديا) تسمى سلع، وهي مدينة تاريخية تقع في الأردن جنوب البلاد جنوب العاصمة عمّان إلى الغرب من الطريق الرئيسي الذي يصل بين العاصمة عمّان ومدينة العقبة. تعتبر البتراء من أهم المواقع الأثرية في الأردن وفي العالم لعدم وجود مثيل لها في العالم، ومؤخراً فازت بالمركز الثاني في المسابقة العالمية لعجائب الدنيا السبع وهي عبارة عن مدينة كاملة منحوتة في الصخر الوردي اللون (ومن هنا جاء اسم بترا وتعني باللغة اليونانية الصخر) (يقابله باللغة النبطية رقيمو) والبتراء تعرف أيضاً باسم المدينة الوردية نسبة إلى لون الصخور التي شكلت بناءها، وهي مدينة أشبة ما تكون بالقلعة. بناها الأنباط في العام 400 قبل الميلاد وجعلوا منها عاصمة لهم، وعلى مقربة من المدينة يوجد جبل هارون الذي يعتقد أنه يضم قبر النبي هارون عليه السلام والينابيع السبعة التي ضرب موسى بعصاه الصخر فتفجرت.

واختيرت البتراء بتاريخ 7 - 7 - 2007م كواحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة.

وادي موسى

ما أن تدلف إلى البتراء حتى تبدو التضاريس كامرأة جميلة خطت الحنا خطوطها الجميلة على معصم أجمل، الأرض تأخذ اللون الأحمر، والجبال تغازل الهضاب والوديان، والأشجار تلف المكان وكأنك في مكان آخر من العالم.

وادي موسى هذا هو الاسم الذي يطلقه الأردنيون على هذه القرية النائمة على ضفاف الجبال، ويردد العامة أن النبي موسى عليه السلام مر من هنا، وكذلك أخوه النبي هارون الذي يرقد في قبر هنا، ووادي موسى مدينة أردنية عريقة تتابعت عليها العديد من الحضارات القديمة تقع في جنوب الأردن حوالي 250 كم من عمان و100 كم شمال العقبة تقع ضمن حدودها مدينة البتراء الأثرية التي هي من عجائب الدنيا الجديدة، وهي مدينة يتوقف فيها السياح المتجهون في طريقهم إلى آثار البتراء، ويوجد فيها أكثر من 50 فندقاً ومنتجعاً والكثير من محلات التحف والبازارات والمطاعم السياحية التي تقدم أفضل الخدمات لزوار المدينة الأثرية وللمنطقة.

يبلغ عدد السكان حوالي 25 ألف نسمة. شهدت وادي موسى تغيرات جذرية في مستوى الخدمات خلال العقد الأخير وقد بني فيها عدد كبير من فنادق الخمس نجوم والأربع نجوم لكي تستقبل الزائرين للبتراء.

ووادي موسى هو الاسم الحديث للمدينة وكانت تسمى قديماً ب(إلجي) بسبب لجوء الناس إليها للحماية والتحصن بها وقت الاضطرابات.

البتراء... همس الصخور!

يصل الزائر إلى قلب البتراء عند المركز السياحي وهناك تختار وسيلة المواصلات إلى القلب (الخزنة) وهي غالباً عربة الخيول أو الجمال للسياح الأجانب أو المشي للرياضيين، ودرجة الحرارة لا تشجع على المشي وبعد أن تأخذ مرشداً سياحياً (تكتشف في نهاية الرحلة أن ليس له داعٍ) تنطلق عبر طرق معبدة بالصخور وهي مزعجة نوعاً ما (لا ننصح بمرور النساء الحوامل عليها) وتنحدر الطريق حتى تصل ممر صخري، ذلك الشق الصخري الرهيب الذي يبلغ طوله أكثر من 1000 متر وترتفع حوافه الصخرية 300 متر، وعندما يصل الممر إلى نهايته، فإنه ينحني في استدارة جانبية، ثم تتبدد الظلال لتظهر أعظم الآثار روعة (الخزنة) إحدى عجائب الكون الفريدة، وهي المحفورة في الصخر الأصم على واجهة الجبل، ويلمع صخرها الوردي تحت ضوء الشمس، بارتفاع 140 متراً، وعرض 90 متراً، وفي وسط المدينة يشاهد الزائر مئات المعالم التي حفرها وأنشأها الإنسان، من هياكل شامخة، وأضرحة ملكية باذخة، إلى المدرج الكبير الذي يتسع لسبعة آلاف متفرج، والبيوت الصغيرة والكبيرة، والردهات، وقاعات الاحتفالات، وقنوات الماء والصهاريج والحمّامات، إضافة إلى صفوف الدرج المزخرفة، والأسواق، والبوابات المقوسة، ويعتبر الدير من أضخم الأماكن الأثرية في البتراء، حيث يبلغ عرضة 50 متراً، وارتفاعه 45 متراً، ويبلغ ارتفاع بابه 8 أمتار، ومن المرجح أن يكون الدير قد بني في القرن الثالث الميلادي، على قمة الدير يمد الناظر بصره إلى أبعد مدى، فيرى الأرض الفلسطينية وسيناء بالكامل.

إن زيارة البتراء تعطي الإنسان انطباعاً عن مدى تصميم وعزيمة أولئك الذين بنوها. فقد شقوا عاصمتهم في صخر الصحراء الصلد ودامت دولتهم قرابة خمسمائة عام، ولا زالت آثارهم تشهد لهم بالعلم والمعرفة والعراقة بعد مرور أكثر من ألفي عام. إنها دعوة لزيارة البتراء وما تزال البتراء حتى يومنا هذا تحمل طابع البداوة، إذ ترى الزائرين يعتلون ظهور الخيول والجمال، لكي يدخلوا إليها في رحلة تبقى في الذاكرة طوال العمر..

بين البتراء ومدائن صالح

إن النجاح الذي حققته البتراء ثاني عجائب الدنيا السبعة يغري بنجاح آخر لمدائن صالح نحو صناعة سياحية تعد رافداً مهماً لاقتصاديات الدول، ومدائن صالح امتداد لحضارة الأنباط العرب الذين أقاموا مستوطناتهم الأولى في شمال الأردن وفلسطين وأقدم أثر لهم عثر عليه يعود للقرن التاسع قبل الميلاد وبرز دورهم في المنطقة من القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الثاني ميلادي... وفي الحجر آثار ثمودية ونبطية ولحيانية قديمة، ويبلغ عدد المدافن في مدائن صالح 131مدفناً منها 32 مدفناً عرف تاريخها وتقع في الفترة من العام الأول قبل الميلاد حتى العام 75 ميلادي.

جدير بالذكر أن لجنة التراث لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) أدرجت مؤخراً مدائن صالح في السعودية على لائحتها، وذلك في سياق إضافة مواقع أثرية جديدة إلى لائحة التراث العالمي.

وقد أضيف موقع مدائن صالح أو (الحجر) الذي يعود إلى الحضارة النبطية في السعودية والذي يعد أكبر موقع محفوظ لحضارة الأنباط جنوب البتراء في الأردن، مع العلم أنها المرة الأولى التي يدرج فيها موقع في المملكة العربية السعودية على قائمة التراث العالمي لليونسكو.

ويحوي الموقع -الذي يقع على بعد خمسمائة كلم جنوب شرق البتراء- مقابر ضخمة مصانة بشكل جيد تعود واجهاتها المزخرفة إلى القرن الأول قبل الميلاد، كما يضم الموقع نحو خمسين نقشاً من الحقبة التي سبقت فترة الأنباط وعدداً من رسوم الكهوف.

ويشكل موقع الحجر شهادة فريدة عن حضارة الأنباط وتعد مقابره الضخمة إضافة لآباره المائية مثلاً استثنائياً للإنجازات المعمارية للأنباط وخبراتهم الهيدرولوجية، ويشار إلى أن عدد المقابر فيه بلغت 111 مقبرة، زين معظمها بالزخارف.

» سهل عكا! بقلم الأستاذ منيف خضير
» خذ فنجان بقلم الأستاذ منيف خضير
» إلى صديقي الدينماركي بقلم الأستاذ منيف خضير
» مسألة فيها نظر!بقلم الأستاذ منيف خضير
» عقاب جماعي بقلم الأستاذ منيف خضير