قد يتفاجأ من يقرأ سيرة خامس الخلفاء الراشدين أنه أمضى سنتين فقط في الخلافة!
وهذا العدل والقصص الخالدة للخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز يُخيّل إلينا أننا أمام شخصية حكمت لأكثر من ثلاثين عاماً، إنه بلا شك الصدق أولاً مع الله ثم مع النفس والإخلاص الناتج عن قناعة شخصية بالعمل المكلف به. وهو الذي كانت له شخصية مختلفة قبل أن يتولى الخلافة. وهذا التحول الإيجابي في الشخصية يعطينا مؤشرات إدارية على أن الإنسان (الموظف) قد تتبدل شخصيته إذا كُلّف بمهام ومسؤوليات جسام وقبل ذلك منحه الثقة بنفسه.
وفي شخصية عمر بن عبدالعزيز دروس كثيرة لمن يحتجُّون بعراقيل إدارية كثيرة، ولمن يعلقون فشلهم الإداري على قلة تأهيل الموظفين وقلة كفاءتهم والعراقيل الإدارية والمالية وما إلى ذلك، هذا الرجل (عمر بن عبدالعزيز) قال لكل مسؤول دون أن ينطق: هل تريد أن يخلص أصغر موظف في إدارتك أو وزارتك؟ ما عليك لتفعل ذلك إلا أن تخلص أنت أولاً، وهذه هي الإدارة بالقدوة.
وما يحدث اليوم -للأسف الشديد- من فساد إداري، وتفشٍّ للرشوة في مختلف قطاعات الدولة إلا من رحم الله يرسم أكثر من علامات استفهام فأين المسؤولون؟ وهل يُعقل هذه المبالغ الباهظة لمشروعات حكومية صغيرة كبناء حكومي أو مدرسة؟ وهل يُعقل أن تكون تكلفة صيانة مبنى مدرسي - على سبيل المثال- بالملايين. والكل يراهن أنه يمكن أن يقوم بالمهمة نفسها دون أن يدفع أكثر من مليون ريال؟!
ومن الطرائف في هذا السياق ما أخبرني به أحد المخلصين حينما تمت صيانة مبنى إدارته الحكومية بملايين خيالية قال إنه وجد في أحد البنود إزالة شجرة كينة تقع في جزء مهجور من مبنى مترامي الأطراف وجدها بخمسة آلاف ريال! يا للغرابة: كيف تفوت هذه على الجميع، بإمكاني لو أولوا الأمر لي لأزلتها بمئة ريال أي والله, حسبنا الله على من لا يرعون المال العام وكأن مال الدولة حرامه حلال، ولم يسمع هؤلاء أن عمر بن عبدالعزيز أطفأ سراج الدولة ليلاً بعد أن انتهى من مناقشة أمور الدولة، وأكمل جلساؤه جلستهم العادية دون سراج لا حق لهم فيه. اليوم تجاوزت المسألة كل شيء، ليت الأمر يتوقف على سراج، ترى لو كلفت إدارة ما بشراء سراج لها، كم سيكون سعره؟!